ليس هذا الكتاب استعراضيّا بل هو مختارات. ولئن قيل : اختيار المرء جزء من
عقله، فإنّ اختياره للشعر جزء من ذوقه، والذوق لا يناقش. وحضور هذه النصوص
ليس نفيا للغائب كلّه. فالاختيار لا يلتزم بالموضوعيّة التاريخيّة المحكومة بالتسلسل،
ولا يخضع للمجاملة، إذ وراء التذوّق تعبير عن موقف. هذه المختارات لا تعلّم تاريخ
الشعر في القيروان ولا ترسم ملامح أصحابها. إنّها لا تتعصّب لمدرسة أو تيّار بدليل
أنّها تأخذ من كل العصور، ولكنّها لا تتهاون بصدق الموهبة وجماليّة الفنّ وبراعة
الصنعة.
والقيروان، بكلّ حقبها، مدرسة في الشعر متّصلة الحلقات، قد يختلف السابق عن
اللاّحق، إلاّ أنّ الثوابت قائمة بين الأجيال والتسلسل التاريخيّ ليس هو الأفضل، لكنّة
الأوضح لفهم طبيعة التواصل.