اعتمد مؤلّف هذا البحث الطريف على عدّة نصوص نقدية تبيّن انشداد الوعي
الجماليّ العربيّ إلى التليد المجمَع عليه وصدّه لكلّ قول خرج على المألوف واتّخذ
البديع والإغراب مسلكا في الإنشاء. فلكلّ قول مرجع نصيّ لابدّ أن يتّكئ عليه، ولكلّ
نصّ مدوّنة أمٍّ لابدّ أن يحيل عليها. إنّ الذاكرة هي إذن عمدة جماليّة الألفة إنتاجا
وبنية وتمثّلا.
وقد يبدو ذلك بديهيّا بما أنّ نظرة المحدثين اليوم ترى النصّ إنتاجا لا خلقا.
ولكن للإلحاح على المرجع والمدوّنة الموروثة في النقد القديم دلالة غير التي
قصد إليها المحدثون من النقاد، إذ لا يؤدي فعل الكتابة مهمّته في تصوّر القدامى إلاّ
إذا توسّل برصيد مشترك بين الكاتب والمتقبّل. وهو رصيد يستدعي بعضه البعض
في ذهن المنشئ زمن الإنشاء وفي ذهن القارئ لحظة القراءة. فكأنّ التخاطب الأدبي
تنقيب في الذاكرة لصياغة القول وإجهاد لها لبلوغ المعنى المقصود.